للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإكباب على العلم والإفادة عُمُرَه كلَّه.

درَّس واشتغل بعد أبيه، وتخرَّج به الأصحابُ، وأَذِنَ في الفتوى لجماعة، وانتهى إليه إتقانُ غوامض المذهب، وعلَّق على "التنبيه" شرحًا حافلًا في مجلَّدات.

وكان عَذْبَ العِبارة، صادقَ اللهجة، طَلْق اللسان، طويل الدروس، يُورِدُها كالفاتحة.

وكان له حظٌّ من صلاة وصيام وذِكْر، ولُطْف وتواضع، ولزوم للخير وكَفِّ عن الغِيبة وعن أذيّة الناس، مع الكرم والبَذْل والفُتوَّة، وعِيادة المرضى وشهود الجنائز، ويُحسِن إلى الطَّلبة ويطوِّل روحَه ويُفهِّمهم، ويُثْني على فاضلهم ويَسعَى لهم. حجَّ مرّاتٍ.

وكان لطيف المزاج، نحيفًا أبيض، حُلْو الصورة رقيق البَشرة، معتدل القامة، قليل الغِذاء جدًّا، يُدمِنُ التنقُّل (١) بالخِيار شَنبَر، فيذهب يُبْسه، وكان ربما انزَعَجَ في المناظَرة، وله مسائل يَشذُّ فيها مغمورة في بحر عِلمه كنُظرائه من العلماء.

خرَّج له العَلَائيُّ وغيرُه، وقد حدَّث بـ "الصحيحين"، وقرأتُ عليه "مشيخة ابن عبد الدائم".

وليَ الخطابةَ بعد عمِّه ثم عَزَلَ نفسه بعد أيام، وغَضِب لما بَلَغَه أنهم سَعَوْا في أخذ البادَرائية منه، ولما تُوفِّي ابن صَصْرَى طُلب للقضاء فامتَنع، وأَلحُّوا عليه فصمَّم.


(١) أي: اتخاذه نَقْلًا، والنَّقْل بالفتح والضم: أكل الفواكه ونحوها، وأصله الأكل مع الشَّراب.
ينظر في تاج العروس (نقل).

<<  <  ج: ص:  >  >>