للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ مِنْ هَذَا القَوْلِ مَالًا حَمَلْنَا لَكَ مِنْ أمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أكْثَرَنَا مالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ شَرَفًا شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتَّى لَا يُقْطَعَ أَمْرٌ دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِى يَأتِيكَ رِئِيًّا تَرَاهُ وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ وَبَذَلنَا فِيهِ أمْوَالَنَا حَتَّى نبرِئَكَ مِنْهُ، فَرُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ، أَوْ لَعَل هَذَا الَّذِى تَأتِى بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ وَإِنَّكُمْ لِعَمْرِى يَا بَنِى عَبْدِ المُطَّلِبِ تَقْدِرُونَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى إِذَا فَرغ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسْتِمعُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أفَرَغْتَ يَا أبَا الوَلِيدِ؟ ! قالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّى، قَالَ: أَفْعَلُ، فَقَالَ رَسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: بِسْمِ اللَّهِ الرحْمَنِ الرَّحِيم {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣). . .} فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سمِعَهَا عتبَةُ أنْصَتَ لَهُ وَأَلقَى بِيَدِهِ خَلفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلسَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أبَا الوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَقَامَ عتبَةُ إِلَى أصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ جَاءَكُمْ أبو الوليد بغير الوجه الَّذِى ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟ فَقَالَ: وَرَائِى أَنِّى وَاللَّهِ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا بِالسِّحْرِ وَلَا بِالكَهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ [قُرْيَشٍ]: أَطِيعُونِى وَاجْعَلُوهَا فِىَّ، وخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ وَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِى سَمِعْتُ نَبَأ [فَإِنْ] تُصِبْهُ العَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظهَرْ فِى العَرَبِ فَمُلكُهُ مُلكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكنتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، قَالُوا: سَحَرَكَ وَاللَّهِ يَا أَبَا الوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: هَذَا رَأيى لكُمْ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لكُمْ".

<<  <  ج: ص:  >  >>