ومن ترجمته لنفسه قوله:(وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى لا فخرًا .. ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوحها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولى ولا بقوتى فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويدل أنه كان في سرعة الكتابة والتأليف آية كبرى من آيات الله تعالى، ما قاله تلميذه الشمس الداودى: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا - صلى الله عليه وسلم -، وكان مع ذلك يملى الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. وكان أعلم زمانه بعلم الحديث وفنونه ورجاله وغريبه واستنباط الأحكام منه.
وفي ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البونى عن المترجم أنه كان مراده أن يجمع جميع الأحاديث في كتاب واحد، فجمع ثمانين ألفًا في جامعه الكبير، ومات رحمه الله فلم يرد الله جمع الأحاديث كلها في كتاب واحد (اهـ من فهرس الفهارس).
ومشايخه في الرواية سماعا وإجازة كثيرون، أوردهم في المعجم الذي جمعهم فيه، وعدهم نحو مائة وخمسين. قال (ولم أكثر من سماع الرواية؛ لاشتغالى بما هو أهم وهو قراءة الدراية).
وممن شمله إجازتهم الحافظ ابن حجر - أحضره والده قبل موته وهو صغير إلى مجلسه (١). قال عنه المترجم في طبقات الحفاظ: لي منه إجازة عامة، ولا أستبعد أن تكون لي منه إجازة خاصة؛ فإن والدى كان يتردد إليه، وينوب في الحكم عنه، وإن يكن فاتنى حضور مجالسه، والفوز بسماع كلامه، والأخذ عنه، فقد انتفعت في الفن بتصانيفه، واستفدت منها الكثير اهـ. ونقل عنه مرة في بغية الوعاة فقال فيه:(شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر) وفي حسن المحاضرة قال: إنه لما حج شرب من ماء زمزم لأمور منها، أن يصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.