تجريد روحى تخرق فيه العادة كما خرقت لأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - حين رأى جيش سارية وهو بنهاوند، وحين ناداه وبلغه صوته وأيقن به وعمل بمقتضاه.
وكذلك هذه الرؤية وراثة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث اجتمع ببعض الأنبياء وهم في الدار الآخرة والعلماء ورثة الأنبياء، ويجب عرض ما يقع للمرء في مثل هذه المشاهد على الشريعة فهى الميزان والمرجع والحكم فحكمها واحد، واعترض على وقوع هذه الرؤية بأنها لو كانت جائزة لوقعت لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا النبى - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة وحل ما بينهم من المشاكل والخلاف، وأجيب بأن رؤية النبى - صلى الله عليه وسلم - في النوم حق، وهى ثابتة. ولا يقال لماذا لم يروا النبى - صلى الله عليه وسلم - في النوم ويحل لهم مشاكلهم؟ والجواب عنهما واحد وأن ما وقع لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يؤخذ بالتسليم ويحمل على أحسن الوجوه، وليس هناك خلاف في أن القدرة تشمل ذلك بالوجه الممكن عقلا وشرعا والمرجع في كل ذلك إلى الشريعة فلا يؤخذ من هذه المشاهد حكم شرعى، وإنما هى مبشرات تسر أصحابها ولا تغرهم.
وقال الشيخ عبد القادر قلت له: يا سيدى كم رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقظة؟ فقال، بضعا وسبعين مرة.
ومحاسن العلامة السيوطى ومناقبه لا تحصى كثرة، وكفاه - كما تقدم - كثرة مؤلفاته مع تحريرها وتدقيقها، وله شعر كثير أكثره متوسط وجيده كثير وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية.
وكانت وفاته - رضي الله عنه - في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما. وكان له مشهد عظيم ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة وصلى عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموى يوم الجمعة ثانى رجب سنة إحدى عشرة المذكورة، ونسب إلى أسيوط باعتبارها بلد والده ولم يولد بها ولم يتوف بها.