أحصرتم فحللتم إنما احتيج إلى هذا التقدير، لأنه ليس بنفس المرض أو حصر العدو ويلزم الهدي فليس تأويل أبي حنيفة بأسعد من هذا التأويل لأنه لا بد في التأويلين من إضمار. ودليل من ذهب في الآية إلى أنه إحصار المرض قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}[البقرة: ١٩٦] قالوا: والمحصور بعدو يحلق رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله.
وقوله تعالى:{فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}[البقرة: ١٩٦] معناه يحلق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك وإذا كان هذا واردًا في المرض بلا خلاف كان الظاهر أن أول الآية ورد فيمن ورد فيه وسطها وآخرها لاتساق الكلام بعضه ببعض، ورجوع الإضمار في آخر الآية إلى من خوطب في أولها، فيجب حمل ذلك على ظاهره، حتى يدل الدليل على آخره. وأخذ من ذهب إلى هذا في المحصور بالعدو، بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إذ حالت قريش بينه وبين البيت، فنحر صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه. ورأى بعض أصحاب مالك ومن تابعهم أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو. ودليلهم من الآية قوله تعالى:{فإذا أمنتم} وقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا} وظاهره أن المذكور الأول ليس بمريض. وأيضًا فإن الآية إنما نزلت على قول الجمهور يوم الحديبية، وكان حبسهم يومئذ العدو. وحُكي عن ابن الزبير أنه لا يتحلل أحد بالعدو ولا بالمرض، إلا بأن يلقى البيت ويطوف. وقال ابن سيرين: الإحصار يكون عن الحج دون العمرة. وذهب إلى أن العمرة غير مؤقتة، وأنه لا يخشى عليها الفوات، والمذهبان مخالفان لنص الخبر عام