قال:((نسيتها)) ففيه أنه قال لأُبي ابتداءً ((لم لم تذكرني؟ )) فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما أسقط وتذكره دون تذكير أحد. وذكر بوحي أوحى الله تعالى إليه بذلك. وسأل أبيًا ليختبر حفظه. فهذا نسيان لم يقدر عليه وفي هذا كله نظر يؤخذ من علم الأصول، وإنما نأتي ها هنا بنُبَذٍ. وقد احتج بهذه الآية {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} من قال: إن من شرط النسخ إثبات بدل المنسوخ، ومنهم من شرطه عقلًا، ومنهم من شرطه شرعًا خاصة والجواب عن حجتهم بالآية من أوجه.
أحدها: أن هذه الآية لا تمنع الجواز وإن منعت الوقوع عند من يقول بصيغة العموم، ومن لا يرى العموم صيغة فلا يلزمه أصلًا، ومن قال بها فلا يلزمه، من هذا ألا يجوز في جميع المواضع إلا ببذل، بل يتطرق التخصيص إليه بدليل النهي عن ادخار لحوم الأضاحي ثم إباحتها، ونسخ تقدمة الصدقة عند مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نسخ دون بدل. ثم ظاهر الآية أنه تعالى ينسخ الآية بآية أخرى مثلها، وهل لا يتضمن إلا رفع المنسوخ أو يتضمنه مع ذلك غيره؟ كل ذلك محتمل. وقد احتج بالآية أيضًا فمن يجيز النسخ بااخف ولا يجيزه بالأثقل وفي المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: هذا.
والثاني: يجوز بالأثقل ولا يجوز بالأخف.
والجمهور على الجواز بهما معًا. ووجه حجة أهل هذا القول الأول: أنهم قالوا في الآية هذا الخير الذي ذكره الله تعالى، هو خير عام، والخير ما هو خير لنا وإلا فالقرآن كله خير، والخير لنا ما هو أخف علينا. والجواب عن هذا أن الخير ما هو أجزل ثوابًا وأصلح لنا في المآل وإن كان أثقل في الحال. فإن قيل: ألا يمتنع عقلًا بل شرعًا لأنه لم يوجد في