والمراد بقوله {ما ننسخ من آية} على هذين المعنيين الأخيرين التلاوة والحكم، وعلى المعنيين الأولين يحتمل أن يريد جميع وجوه النسخ أو بعضها. وتكون على المعنى الثاني الضميران في قوله:{منها أو مثلها} عائدين على المنسوخة خاصة. وإذا قرئ ((أو ننسأها)) بمعنى التأخير فجميع ما ذكر في معنى الترك من المعاني جارية في هذه القراءة وفي الآية قراءات أخر لا تخلو معانيها عن شيء مما ذكرنا. وقدد قال أبو إسحاق الزجاج في قراءة من قرأ:((ننسها)) ضم النون الأولية، وتسكين الثانية وكسر السين من النسيان: لا يتوجه فيها معنى الترك لأنه لا يقال أنسى بمعنى ترك. وقال الفارسي وغيره: ذلك جائز بمعنى نجعلك تتركها، وكذلك ضعف أبو إسحاق أن الآية على النسيان الذي هو ضد الذكر، وقال: إن هذا لم يكن للنبي -عليه السلام- ولا نسي قرآنًا. وقال الفارسي وغيره: ذلك جائز وقد وقع ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بتنسية. واحتج الزجاج بقوله تعالى:{ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}[الإسراء: ٨٦] أي لم نفعل.
وقال الفارسي: معناه لم نذهب بالجميع. وقال هذا القول غير الزجاج. ورد الطبري عليه، والصحيح على مذهب الأصوليين أنه لا يجوز عليه النسيان فيما طريقه التبليغ. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى فأسقط آية، فقال:((أفي القوم أبي؟ )) فقال: نعم يا رسول الله. قال:((فلم لم تذكرني؟ )) قال: حسبت أنها رفعت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لم ترفع ولكني نسيتها)). وقد اعتذر أبو محمد عن هذا ومثله بأنه جائز عليه صلى الله عليه وسلم بعد التبليغ، وحفظ الصحابة لما بلغ. والحديث وإن كان فيه أنه