المسكر دون بعض، وقد قدمنا مذاهبهم. فأما مالك ومن تابعه ممن رأى التحريم في كل مسكر، فالخمر عنده محرمة لعلة. ولأصحاب مالك في إثبات العلة طريقان، أحدهما: الطرد والعكس وهو أنهم رأوا التحريم يوجد بوجود الإسكار في خمر العنب، ويفقد بفقدها، فحكموا أن العلة في تحريم خمر العنب ذلك الشيء الذي يوجد التحريم بوجوده ويفقد بفقده وهو الإسكار، وهذا يسمونه الطرد والعكس، فلما صح عندهم أن العلة في تحريم خمر العنب ذلك طردوا، فحيث وجدوا العلة ألزموا الحرمة. فيأتي على هذا أن كل مسكر حرام سميناه خمرًا أو لم نسمه خمرًا. والطريقة الثانية في إثبات العلة استنباطها من الكتاب، فإنه تعالى قال بإثر الآية باجتناب الخمر:{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة}، وهذا يسميه الأصوليون التنبيه على العلة، فنبه تعالى على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء. وهذا المعنى بعينه موجود في كل مسكر على حد سواء لا تفاضل بين الأشربة فيه، فوجب أن يكون حكم جميعها واحدًا، فما تقتضيه هذه الآية من التنبيه على العلة دل على فساد قول من يرى تحريم الخمر لعينها؛ لأنه لو كان كذلك لما أتى الله تعالى بهذه الصفات