وقوله في حديث آخر: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو عثمان هذا هو مولى المغيرة، وليس بالنَّهدي، ولو كان النَّهديَّ لحكمتُ بصحته على شرط الشيخين.
وفي هذا حجةٌ على النووي أيضًا فيما يقتضيه كلامه من أنه ليس فيما صححه الحاكم حديث على شرطهما أو أحدهما، بل الصحيح أن في "المستدرك" أحاديثَ على شرط الشيخين، وأخرى على شرط أحدهما، فعنده من الصحيح زيادةٌ على ما في "الصحيحين" بشرطهما أو شرط أحدهما حقيقةً، كما يفيده كلام ابن الصلاح وابن حجر اللذين قدمناهما، وبنحو قولهما قول الذهبي أيضًا في مقالته الآتي ذكرها في الرد على الماليني، وكلام هؤلاء في هذا الباب أوثق وأقوم، لأنهم في هذا العلم أقعد وأكثر درايةً وتحقيقًا من النووي، كما هو معلوم لدى العارفين بهذه الصناعة.
ثم وقفنا على عبارة لابن الصلاح قريبة من عبارة النووي التي قدمناها، فكأن النووي قد أخذها منه، ثم صاغها بما يتفق مع وجهته التي ولاها، فاختصر بعض حروف عبارة ابن الصلاح، فإن ابن الصلاح قال في كلامه عن الحاكم: وهو واسعُ الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء به، فالأولى أن تتوسط في أمره، فنقول: ما حكم بصحته، ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن، يحتج به ويعمل به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه. انتهى، وعبارة ابن الصلاح هذه هي الأقربُ والأليق بحال تصحيح الحاكم، إذ مقتضى كلامه إثبات وجود الصحيح والحسن في أحاديث الحاكم، وهذا هو التحقيق.
وقد ذهب أبو سعد الماليني في حكمه على أحاديث "المستدرك" إلى أبعد مما ذهب إليه النووي، حيث قال: طالعتُ كتاب "المستدرك على الشيخين" الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أرَ فيه حديثًا على شرطهما (١).
فردَّ عليه الذهبي بقوله: هذه مُكابَرَةٌ وغُلُوُّ، وليست رتبه أبي سعد أن يَحكُم
(١) أسنده عنه محمد بن طاهر المقدسي في "المنثور من الحكايات والسؤالات" (٨).