على أنَّ هاتين القصتين قد رُويتا عن ابن مسعود من طريق ثالثة غير طريق أبي وائل وقيس بن أبي حازم، فقد رواها عن ابن مسعود أيضًا حارثةُ بنُ مُضرِّب عند أبي داود (٢٧٦٢)، وابن حبان (٤٨٧٩) من طريق سفيان الثوري، وعند النسائي (٨٦٢٢) من طريق الأعمش، كلاهما عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن حارثة بنحو ما جاء هنا مختصرًا. وأخرج القصة الأولى وحدها بأطول ممّا هنا ابن المنذر في "الأوسط" (٨٣٧٦)، والطحاويُّ في "شرح مشكل الآثار" ١١/ ٣١٢ من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" ٨/ ٢٠٦، والخطيبُ في "موضح أوهام الجمع والتفريق" ٢/ ١٠٧، من طريق أبي عوانة الوضاح اليَشكُري، كلاهما عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن حارثة بن مضرِّب، عن ابن مسعود. وعندهما زيادة فائدة أنَّ ابن مسعود استشار فيهم عديَّ بن حاتم والأشعثَ بنَ قيس وجرير بن عبد الله، فأشار عدي بقتلهم والآخران أشارا باستتابتهم. وأخرج عبدُ الله بن وهب في "موطئه" كما في قسم مطبوع منه باسم كتاب المحاربة من موطأ ابن وهب (١٠١) عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنَّ عبد الله بن مسعود أخذ بالكوفة رجالًا يُنعِشُون حديث مسيلمة الكذاب يدعُون إليه، فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان، فكتب عثمان: أن اعرِض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، فمن قبِلها وتبرَّأ من مسيلمة فلا تقتله، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله، فقبلها رجالٌ منهم فتُركوا، ولزم دينَ مسيلمة رجال فقُتلوا. ورجاله ثقات لكنه مرسل، لأنَّ عُبيد الله لم يدرك ابن مسعود. وفيه زيادة فائدة أيضًا أنَّ ابن مسعود لم يحكُم بهم من تلقاء نفسه، إنما كان بأمر من أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنهما. والظاهر أنَّ ابن مسعود لما أشار عليه عدي بن حاتم بقتلهم، والأشعثُ بن قيس وجَرير بن عبد الله، باستتابتهم، استشار أمير المؤمنين عثمان ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه فوافق رأيُه رأي الأشعث وجَرير فحكم به ابن مسعود، والله تعالى أعلم.