للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يا أبا عبد الله، إنَّ هذينِ لي صديقان، ولهما إخاءٌ، وقد أحبَّا أن يَسمعا حديثَك كيف كان بَدْءُ (١) إسلامِك؟ قال: فقال سلمان: كنتُ يتيمًا من رامَهُرْمُزَ، وكان ابنُ (٢) دهقان رامَهُرمُز يختلِفُ إلى مُعلِّم يعلِّمُه، فلزمتُه لأكونَ في كَنَفه، وكان لي أخٌ أكبرُ مني، وكان مستغنيًا بنفسه، وكنتُ غلامًا قصيرًا، وكان إذا قام من مجلسه تفرَّق من يُحفِّظُهم، فإذا تفرَّقوا خرج فتقنَّع بثوبه، ثم صَعِدَ الجبلَ، وكان يفعلُ ذلك غيرَ مرَّة مُتنكرًا، قال: فقلتُ له: إنك تفعلُ كذا وكذا، فَلِمَ لا تذهبُ بي معك؟ قال: أنت غلامٌ، وأخاف أن يظهرَ منك شيءٌ، قال: قلتُ: لا تَخَفْ، قال: فإنَّ في هذا الجبل قومًا في بِرْطِيلٍ (٣) لهم عبادةٌ ولهم صلاحٌ، يذكرون الله ويذكرون الآخرةَ، ويزعمون أنَّا عَبَدةُ النيران، وعبدَةُ الأوثان، وأنَّا على غير دينهم، قال: قلتُ: فاذهَبْ بي معك إليهم، قال: لا أقدِرُ على ذلك حتى أستأمِرَهم، وأنا أخافُ أَن يَظْهَرَ منك شيءٌ فيَعلمَ أبي فيقتلَ القومَ فيكون هلاكُهم على يدي، قال: قلتُ: لن يظهرَ مني ذلك، فاستأمِرْهم، فأتاهم، فقال: غلامٌ عندي يتيمٌ فأُحبُّ أن يأتيكم ويسمعَ كلامَكم، قالوا: إن كنتَ تثقُ به، قال: أرجو ألّا يجيءَ منه إلَّا ما أُحبُّ، قالوا: فجِئْ به، فقال لي: لقد استأذنتُ القومَ، في أن تجيءَ معي، فإذا كانت الساعةُ التي رأيتَني أخرج فيها فأتِني، ولا يعلَمْ بك أحدٌ، فإنَّ أبي إن عَلِم بهم قتلَهم.

قال: فلمَّا كانت الساعةُ التي يخرُج، تبعتُه فصَعِدَ الجبل فانتهينا إليهم، فإذا هم في بِرْطِيلهم -قال علي: وأُراه قال: وهم ستةٌ أو سبعة- قال: وكأَن الروحَ قد خَرَج


(١) في نسخنا الخطية: بدو، والمثبت من النسخة المحمودية كما في طبعة الميمان.
(٢) تحرَّف في النسخ الخطية الى أبي والمثبت من "تلخيص الذهبي"، وهو الموافق لما في "دلائل النبوة" للبيهقي. والدهقان، بكسر الدال وضمها: رئيس القرية ومُقدَّم الثُّنَّاء وأصحاب الزراعة، وهو معرَّب، ونونه أصلية، لقولهم: تدهقن الرجلُ، وله دهقنة بموضع كذا. وقيل: النون زائدة، وهو من الدهق: الامتلاء. قاله ابن الأثير في "النهاية". ورامهرمز: مقاطعة في غرب إيران، وتقع في محافظة خوزستان، قريبة من الأهواز.
(٣) البرطيل: كالصومعة، سَريانية معربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>