للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهم من العبادة؛ يصومون النَّهار، ويقومون الليلَ، ويأكلون الشجَرَ ما وجدوا، فقعدنا إليهم، فأثنى [ابن] (١) الدهقان عليَّ خيرًا، فتكلَّموا، فحَمِدوا الله وأثنَوا عليه، وذكروا من مَضَى من الرُّسل والأنبياء حتى خَلَصُوا إلى ذكر عيسى ابن مريم ، فقالوا: بعثَ الله عيسى رسولًا وسخَّر له ما كان يَفعلُ من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ والأعمى، فكَفَر به قومٌ وتَبِعُه قومٌ، وإنما كان عبدًا الله ورسولَه ابتَلَى به خلقَه.

قال: وقالوا قبلَ ذلك: يا غُلامُ، إنَّ لك لربًّا، وإنَّ لك معادًا، وإنَّ بين يديك جنةً ونارًا إليها تصيرُ، وإنَّ هؤلاء القومَ الذين يعبدون النِّيران أهلُ كفر وضلالة، لا يرضى الله ما يصنعون، وليسوا على دينٍ.

فلما حضرتِ الساعةُ التي ينصرفُ فيها الغلامُ انصرف وانصرفتُ معه، ثم غَدَونا إليهم، فقالوا مثلَ ذلك وأحسنَ، ولزمتُهم، فقالوا لي: يا سلمانُ، إنَّك غلامٌ وإنك لا تستطيعُ أن تصنعَ كما نصنعُ، فصلِّ ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ.

قال: فاطَّلع الملكُ على صنيع ابنه، فرَكِبَ في الخيل حتى أتاهم في بِرْطِيلهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنتُ جِوارَكم، ولم تَرَوا مني سُوءًا، فَعَمَدتُم إلى ابني فأفسدتُموه عليَّ، قد أجلتُكم ثلاثًا، فإن قدرت عليكم بعدَ ثلاث، أحرقتُ عليكم بِرْطِيلكم هذا، فالْحقُوا ببلادكم، فإنِّي أكرهُ أن يكون مني إليكم سوءٌ، قالوا: نعم، ما تعمَّدْنا مساءَتك ولا أردنا إلَّا الخيرَ، فكفَّ ابنه عن إتيانِهم، فقلت له: اتقِ الله؛ فإنَّك تعرِفُ أنَّ هذا الدينَ دينُ الله، وأنَّ أباك ونحن على غيرِ دينٍ، إنما هم عبَدةُ النِّيران لا يعبدون الله، فلا تَبعْ آخرتَك بدنيا غيرِك، قال: يا سلمانُ، هو كما تقول، وإنما أتخلَّف عن القوم بَقيًا عليهم، إن تبعتُ القومَ طلبني أبي في الجبل، وقد خرج في إتياني (٢) إياهم حتى طردَهم، وقد أعرفُ أنَّ الحقَّ في أيديهم.


(١) من "الدلائل" للبيهقي.
(٢) في "دلائل النبوة" للبيهقي: وقد جزع من إتياني، وهو أليق.

<<  <  ج: ص:  >  >>