للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأتيتُهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقالوا: يا سلمان، قد كنَّا نحذَرُ مكانَ ما رأيتَ، فاتقِ الله واعلَمْ أنَّ الدينَ ما أوصيناك به، وأنَّ هؤلاء عَبَدة النِّيران، لا يعرفون الله ولا يذكرونه، فلا يَخدعنَّك أحدٌ عن دينك، قلتُ: ما أنا بمفارقِكم، قالوا: أنتَ لا تقدر أن تكون معنا، نحن نصومُ النهارَ، ونقومُ الليلَ، ونأكلُ الشجَرَ وما أصَبْنا، وأنت لا تستطيعُ ذلك، قال: فقلتُ: لا أفارقُكم، قالوا: أنت أعلم، وقد أعلمناك حالَنا، فإذْ أَبَيتَ خُذْ مِقدارَ حِملٍ يكون معك شيءٌ تأكله، فإنَّك لا تستطيعُ ما نستطيعُ نحن، قال: ففعلتُ ولقيتُ أخي فعرضتُ عليه [فأَبى] ثم أتيتُهم، فأتيتُهم يمشون وأمشي معهم، فرزق الله السلامةَ حتى قَدِمنا المَوْصِلَ فأتينا بيعةً بالموصل، فلما دخلوا احتَفَوا بهم، وقالوا: أين كنتُم؟ قالوا: كُنَّا في بلادٍ لا يذكرون الله، بها عَبَدة النيران، فطردونا فقَدِمنا عليكم.

فلما كان بعدُ قالوا: يا سلمانُ، إنَّ هاهنا قومًا في هذه الجبال هم أهلُ دينٍ، وإنَّا نريدُ لقاءَهم، فكن أنت هاهنا مع هؤلاء، فإنهم أهلُ دين، وسترى منهم ما تحبُّ. قلتُ: ما أنا بمفارِقكم. قال: وأَوصَوا بي أهل البِيعة، فقالوا: أَقِمْ معنا يا غلام، فإنه لا يُعجِزُك شيء. قلتُ لهم: ما أنا بمفارقِكم، قال: فخرجوا وأنا معهم، فأصبحوا بينَ جبالٍ، وإذا صخرةٌ وماء كثير في جِرار وخبزٌ كثير، فقعدنا عند الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، يخرج رجلٌ رجلٌ من مكانه، كأن الأرواح قد انتُزعت منهم، حتى كَثُروا فرحَّبوا بهم وحَفُّوا، وقالوا: أين كنتم؟ لم نَرَكُم، قالوا: كُنَّا في بلادٍ لا يذكرون الله فيها عَبَدة نِيران، وكُنَّا نعبدُ اللهَ فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فَطَفِقُوا يُثنون عليَّ، وقالوا: صَحِبَنا من تلك البلاد، فلم نَرَ منه إلَّا خيرًا.

قال سلمان: فوالله إنهم لكذلك إذ اطَّلع عليهم رجلٌ من كهف جبلٍ، قال: فجاء حتى سلَّم وجلس فحَفُّوا به وعظَّموه أصحابي الذين كنتُ معهم وأَحدَقوا به، فقال: أين كنتم؟ فأخبروه، فقال: ما هذا الغلامُ معكم؟ فأثْنَوا عليَّ خيرًا وأخبروه باتباعي

<<  <  ج: ص:  >  >>