للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطعام كل سنة؟ قالت: ثلاث حبّات من الحنطة. فأمر بإلقائها في قارورة، وسَدَّ فم القارورة، وجعل معها ثلاث حبّات حنطة، وتركها سنة بعد ما قالت (١)، ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة، فوجد فيها حبَّة ونصف حبة، فقال: أنتِ زعمتِ أن قُوتك كل سنة ثلاث حبات! فقالت: نعم، ولقد صدقتك، ولكن لما رأيتك مشغولًا بمصالح أبناء جنسك، حَسَبْتُ الذي معي فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي.

فعجب سليمان من شدة حرصها، وهذا من أعجب الهداية والفطنة.

ومن حرصها أنها تكدّ طوال الصيف، وتجمع للشتاء، علمًا منها بإعواز الطلب في الشتاء، وتعذر الكسب فيه.

وهي على ضعفها شديدة القوى؛ فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها، وتجره إلى بيتها.

ومن عجيب أمرها أنك إذا أخذت عضو جرادة يابسًا فأدنيته إلى أنفك لم تشم له رائحة، فإذا وضعته على الأرض أقبلت النملة من مكان بعيد إليه فاحتملته، فإن عجزت عن حمله ذهبت وأتت معها بصف (٢) من النمل يحملونه، فكيف وجدت رائحة ذلك من جوف بيتها حتى أقبلت بسرعة إليه!

فهي تدرك بالشم من البعد ما يدركه غيرها بالبصر أو بالسمع، فتأتي من مكان بعيد إلى موضعٍ أَكَلَ فيه الإنسان، وبقي فيه فتات من الخبز أو غيره،


(١) "بعد ما قالت" زيادة من "د".
(٢) "م": "بصنف".