للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن علّم المُرْسَلة منها إذا سافرت ليلًا أن تستدل ببطون الأودية، ومجاري المياه والجبال، ومهاب الرياح ومطلع الشمس ومغربها، فتستدل بذلك وبغيره إذا ضلّت، فإذا عرفت الطريق مرّت مرَّ الريح؟

ومن علّم الليث ــ وهو صنف من العناكب ــ أن يلطأ بالأرض ويجمع نفسه، فيُرِي الذبابة أنه لاهٍ عنها، ثم يثب عليها وثوب الفهد؟

ومن علّم العنكبوت نَسْج تلك الشبكة الرفيعة المحكمة، ويجعل في أعلاها خيطًا، ثم يتعلق به، فإذا تعرقلت البعوضة في الشبكة نزل إليها فاصطادها؟

ومن علّم الظبي أنه لا يدخل كِنَاسه إلا مستدبرًا؛ ليستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وخُشْفه؟ (١).

ومن علَّم السِّنّور إذا رأت فأرة في السقف أن ترفع يديها كالمشيرة إليها بالعود، ثم تشير إليها بالرجوع، وإنما تريد أن ترهبها فتزلق فتسقط؟ (٢).

ومن علّم اليَرْبوع أن يحفر بيته في سفح الوادي، حيث يرتفع عن مجرى السيل؛ ليسلم من مِدَقّ الحافر، ومجرى الماء، ويعمّقه، ثم يتخذ في زواياه أبوابًا عديدة، ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزًا رقيقًا، فإذا أحسَّ بالشرِّ فتح بعضها بأيسر شيء وخرج منه؟


(١) الخشف ـ مثلثة الخاء ـ: ولد الظبي أول ما يولد، انظر: "تاج العروس" (٢٣/ ٢٠٩)، والفقرة في "الحيوان" (٦/ ٤٤).
(٢) سياقه في "الحيوان" (٥/ ٢٥٢): "فيقول السّنّور بيده كالمشير بيساره: ارجع. فإذا رجعت أشار بيمينه: أن عد فيعود. وإنما يطلب أن تعيا أو تزلق أو يُدار بها".