للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنني أرميه فلا يطير، وربما أهويت إلى الأرض كأني أتناول شيئًا فلا يتحرك، فإن مسست بيدي أدنى حصاة أو حجر أو نواة طار قبل أن تتمكن منها يدي (١).

ومن علّم الحمامة إذا حملت أن تأخذ هي والأب في بناء العش، وأن يقيما له حروفًا تشبه الحائط، ثم يسخناه ويحدثا فيه طبيعة أخرى، ثم يقلبان البيض في الأيام؟

ومن قسم بينهما الحضانة والكد؟ فأكثر ساعات الحضانة على الأنثى، وأكثر ساعات جلب القوت على الأب.

وإذا خرج الفرخ علما ضيق حوصلته عن الطعام فنفخا في فيه نفخًا متداركًا حتى تتسع حوصلته، ثم يزُقّانه اللعاب أول شيء قبل الطعام، وهو كاللِّبَأ للطفل، ثم يعلمان احتياج الحوصلة إلى دباغ، فيزُقّانه من أصل الحيطان من شيء بين الملح والتراب، تندبغ به الحوصلة، فإذا اندبغت زقَّاه الحبَّ، فإذا علما أنه أطاق اللقط منعاه الزقّ على التدريج، فإذا تكاملت قوته وسألهما الكفالة ضرباه.

ومن علّمهما إذا أرادا السِّفاد أن يبتدئ الذكر بالدعاء، فتتطارد له الأنثى قليلًا لتذيقه حلاوة المواصلة، ثم تطمعه في نفسها، ثم تمتنع بعض التمنّع ليشتد طلبه وحبه، ثم تتهادى وتتكسل، وتريه معاطفها، وتعرض محاسنها، ثم يحدث بينهما من التغزّل والعشق والتقبيل والترشّف ما هو مشاهد بالعيان؟


(١) انظر: "الحيوان" (٢/ ٣٢٩).