للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن علّم الكلب إذا عاين الظِّباء أن يعرف المُعْتلّ من غيره، والذكر من الأنثى؛ فيقصد الذكر مع علمه بأن عَدْوَه أشدّ وأبعد وثبة، ويدع الأنثى على نقصان عَدْوها؛ لأنه قد علم أن الذكر إذا عدا شوطًا أو شوطين حَقِب ببوله (١)، وكلّ حيوان إذا اشتدّ فزعه فإنه يدركه الحَقَب، وإذا حَقِب الذكر لم يستطع البول مع شدة العدو، فيقل عدوه فيدركه الكلب، وأما الأنثى فإنها تحذف بولها لِسَعَة القبل، وسهولة المخرج، فيدوم عَدْوها (٢)؟

ومن علّمه أنه إذا كسا الثلجُ الأرضَ أن يتأمل الموضع الرقيق الذي قد انخسف، فيعلم أن تحته جُحْر الأرنب، فينبشه ويصطادها، علمًا منه بأن حرارة أنفاسها تذيب بعض الثلج فيرق (٣)؟

ومن علَّم الذئب إذا نام أن يجعل النوم نُوَبًا بين عينيه، فينام بإحداهما حتى إذا تعبت الأخرى نام بها وفتح النائمة، حتى قال فيه بعض العرب:

ينام بإحدى مُقْلَتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجعُ (٤)

ومن علّم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث، فلا يبقى عصفور بجوارها حتى يجيء، فيطيرون حول الفرخ ويحركونه بأفعالهم، ويحدثون له قوة وهمَّة وحركة حتى يطير معهم؟

قال بعض الصيادين: ربما رأيت العصفور على الحائط فأومئ بيدي


(١) الحقب احتباس البول، ينظر: "الصحاح" (١/ ١١٤).
(٢) انظر: "الحيوان" (٢/ ١١٧ - ١١٨).
(٣) انظر: "الحيوان" (٢/ ١١٨ - ١١٩).
(٤) البيت لحميد بن ثور الهلالي، وهو في "ديوانه" (١٠٥)، وانظر: "الحيوان" (٦/ ٤٦٧).