نعم، لو نزل القرآن بلغة القدرية والجهمية وأهل البدع لأمكن حمله على ذلك، وكان الحق تبعًا لأهوائهم، وكانت نصوصه تبعًا لبدع المبتدعين، وآراء المتحيرين.
وأنت تجد جميع هذه الطوائف تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها، فالقرآن عند الجهمية جهمي، وعند المعتزلة معتزلي، وعند القدرية قدري، وعند الرافضة رافضي، وكذلك هو عند جميع أهل الباطل، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الأنفال: ٣٤].
وأما تحريفهم هذه النصوص وأمثالها بأن المعنى: ألفاهم ووجدهم كذلك؛ ففي أي لسان، وأي لغة وجدتم: هديت الرجل إذا وجدته مهتديًا؟ وختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة وجده كذلك؟ وهل هذا إلا افتراء محض على القرآن واللغة؟!
فإن قالوا: نحن لم نقل هذا في نحو ذلك، وإنما قلنا في نحو:{أَضَلَّهُ اللَّهُ}[الجاثية: ٢٣] أي: وجده ضالًا، كما يقال: أحمدت الرجل وأبخلته وأجبنته، إذا وجدته كذلك، أو نسبته إليه.
فيقال لفرقة التحريف: هذا إنما ورد في ألفاظ معدودة نادرة، وإلا فوضع هذا البناء على أنك فعلت ذلك به، ولاسيما إذا كانت الهمزة للتعدية من الثلاثي كقام وأقمته، وقعد وأقعدته، وذهب وأذهبته، وسمع وأسمعته، ونام وأنمته، وكذا ضلّ وأضله الله، وأسعده وأشقاه، وأعطاه وأخزاه، وأماته وأحياه، وأزاغ قلبه، وأقامه إلى طاعته، وأيقظه من غفلته، وأراه آياته، وأنزله منزلًا مباركًا، وأسكنه جنته، إلى أضعاف ذلك، هل تجد فيها لفظًا واحدًا