للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفرهم وإعراضهم السابق، فإنه سبحانه يعاقب على الضلال المقدور بإضلال بعده، ويثيب على الهدى بهدى بعده، كما يعاقب على السيئة بسيئة مثلها، ويثيب على الحسنة بحسنة مثلها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: ١٧]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩]، ومن الفرقان الهدى الذي يُفرَّق به بين الحق والباطل، وقال في ضد ذلك: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: ٨٨]، وقال: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: ١٠]، وقال: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: ١٢٧].

وهذا الذي ذهب إليه هؤلاء حق، والقرآن دلَّ عليه، وهو موجب العدل، والله سبحانه ماضٍ في العبد حكمُه، عدلٌ في عبده قضاؤُه، فإنه إذا دعا عبده إلى معرفته ومحبته وذكره وشكره فأبى العبد إلا إعراضًا وكفرًا؛ قضى عليه بأن أغفل قلبه عن ذكره، وصدَّه عن الإيمان به، وحال بين قلبه وبين قبول الهدى، وذلك عدلٌ منه فيه، وتكون عقوبته بالختم والطبع والصدّ عن الإيمان كعقوبته له بذلك في الآخرة مع دخول النار، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: ١٥ - ١٦]، فحجابهم عنه إضلال لهم (١)، وصدٌّ عن رؤيته وكمال معرفته، كما عاقب قلوبهم في هذه الدار بصدِّها عن الإيمان، وكذلك عقوبته لهم بصدهم عن


(١) "د": "إضلالهم".