للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السجود له يوم القيامة مع الساجدين هو جزاء امتناعهم من السجود له في الدنيا، وكذلك عماهم عن الهدى في الآخرة عقوبة لهم على عماهم في الدنيا عنه، ولكن الفرق أن أسباب هذه الجرائم في الدنيا كانت مقدورة لهم (١)، واقعة باختيارهم وإرادتهم وفعلهم، فإذا وقعت عقوبات (٢) لم تكن مقدورة، بل قضاء جارٍ عليهم ماضٍ عدل فيهم. قال تعالى: {(٧١) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ فَهْوَ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ} [الإسراء: ٧٢].

ومن ههنا ينفتح للعبد باب واسع عظيم النفع جدًّا في قضاء الله (٣) المعصية والكفر والفسوق على العبد، وأن ذلك محض عدله فيه.

وليس المراد بالعدل ما يقوله الجبرية أنه الممكن، وكل ما يمكن فعله بالعبد فهو عندهم عدل، والظلم هو الممتنع لذاته، فهؤلاء قد سدّوا على أنفسهم باب الكلام في الأسباب والحِكَم.

ولا المراد به ما تقوله القدرية النفاة أنه إنكار عموم قدرة الله (٤) على أفعال عباده وهدايتهم وإضلالهم، وعموم مشيئته لذلك، وأن الأمر إليهم لا إليه.

وتأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك" (٥)، كيف


(١) "د" "م": "له".
(٢) كذا في الأصول: "عقوبات"، ولعل الأقرب للمعنى: "عقوباتها"، والله أعلم.
(٣) "م": "إمضاء الله".
(٤) "م" "ج": "قدرة الله ومشيئته" بزيادة "ومشيئته"، والسياق بدونها أكثر اتساقًا.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٩٩٣٠)، وأحمد (٣٧١٢)، وأبو يعلى (٥٢٩٧) من طرق عن فضيل بن مرزوق، ثنا أبو سلمة الجهني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود به، وأعل باثنتين: الاختلاف في تعيين الجهني، وسماع القاسم من أبيه، وله متابعة وشاهد ضعيف من حديث أبي موسى، وصححه ابن حبان (٩٧٢)، وقال الحاكم (١٨٧٧): "هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه"، وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: وأبو سلمة لا يدرى من هو، ولا رواية له في الكتب الستة"، وحسنه بمتابعته وشاهده ابن حجر في "نتائج الأفكار" (٤/ ١٠٠)، وانظر: "علل الدارقطني" (٨١٩)، حاشية محققي "مسند أحمد" (٦/ ٢٤٧).