للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "الصحيحين" (١) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بعد انقضاء صلاته: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ"، وكان يقول ذلك الدعاء عند اعتداله من الركوع، ففي هذا نفي الشريك عنه بكل اعتبار، وإثبات عموم الملك له بكل اعتبار، وإثبات عموم الحمد، وإثبات عموم القدرة، وأن الله سبحانه إذا أعطى عبدًا فلا مانع له، وإذا منعه فلا معطي له.

وعند القدرية أن العبد قد يمنع مَن أعطى الله، ويعطي مَن منعه؛ فإنه يفعل باختياره عطاءً ومنعًا لم يشأه الله، ولم يجعله معطيًا مانعًا، فيتصور أن يكون لمن أعطى مانع، ولمن منع معطٍ.

وفي الصحيح عنه أن رجلًا سأله أن يدله على عمل يدخل به الجنة، فقال: "إنه ليسير على من يسّره الله عليه" (٢)، فدلَّ على أن التيسير الصادر من قبله سبحانه يوجب اليسر في العمل، وعدم التيسير يستلزم عدم العمل؛ لأنه ملزومه، والملزوم ينتفي لانتفاء لازمه، والتيسير بمعنى التمكين، وخَلْق العقل، وإزاحة العذر، وسلامة الأعضاء؛ حاصل للمؤمن والكافر، والتيسير المذكور في الحديث أمر آخر وراء ذلك، وبالله التوفيق والتيسير.


(١) البخاري (٨٤٤)، ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة بن شعبة.
(٢) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد (٢٢٠١٦)، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٣٠)، والترمذي (٢٦١٦) وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه (٣٩٧٣)، من حديث معاذ بن جبل، وصححه ابن حبان (٢١٤).