كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم

الباب السادس عشر ما جاء من السنة في تفرد الرب تعالى بخلق أعمال العباد كما هو متفرد بخلق ذواتهم وصفاتهم - الجواب الشافي في مسألة اجتماع القضاء والقدر، والأمر والنهي - ج: 1 - ص: 373

الماء المالح؟ وأخرج لك كل يوم رمّانة، وإنما تخرج مرّة في السنة؟ وسألتني أن أقبضك ساجدًا ففعلت ذلك بك. فيقول: أنت يا ربِّ. فيقول الله: فذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك الجنة".

رواه من طريق يحيى بن بُكَير، ثنا الليث بن سعد، عن سليمان بن هرم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإسناد صحيح، ومعناه صحيح لا ريب فيه.

فقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لن ينجو أحدٌ منكم بعمله"، وفي لفظ: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" (١).

فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا ينجي أحدًا عمُلُه، لا من الأولين ولا من الآخرين، إلا أن يرحمه ربه تبارك وتعالى، فتكون رحمته له خيرًا من عمله؛ لأن رحمته تنجّيه، وعمله لا ينجّيه، فعُلِم أنه سبحانه لو عذّب أهل سماواته وأرضه لعذّبهم ببعض حقه عليهم.

ومما يوضحه: أنه كلما كملت نعمة الله على العبد عظم حقّه عليه، وكان ما يُطَالَب به من الشكر أكثر مما يُطَالَب به مَنْ هو دونه، فيكون حق الله عليه أعظم، وأعماله لا تفي بحقه عليه، وهذا إنما يعرفه حق المعرفة مَنْ عرف الله وعرف نفسه.

هذا كله لو لم يحصل للعبد من الغفلة والإعراض والذنوب ما يكون في قبالة طاعاته، فكيف إذا حصل له من ذلك ما يوازي طاعاته أو يزيد عليها؟!

---

(١) تقدم تخريجه في (١٩٦).