للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يذكرني، والله، للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في الفلاة".

وفي "الصحيحين" (١) من حديث عبد الله بن مسعود، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دَوِّيّة مَهْلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام، فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى المكان الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده".

وفي "صحيح مسلم" (٢) عن النعمان بن بشير يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعير، ثم سار حتى كان بفلاة من الأرض، فأدركته القائلة، فنزل فقال تحت شجرة، فغلبته عينه، وانسلَّ بعيره، فاستيقظ فسعى شَرَفًا (٣) فلم يرَ شيئًا، ثم سعى شَرَفًا ثانيًا، فلم يرَ شيئًا، ثم سعى شَرَفًا ثالثًا، فلم يرَ شيئًا، فأقبل حتى أتى مكانها الذي قال فيه، فبينا هو قاعد فيه، إذ جاء بعيره يمشي حتى وضع خطامه في يده، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره على حاله".

فتأمل محبته سبحانه لهذه الطاعة التي هي أصل الطاعات وأساسها، وإن من زعم أن أحدًا من الناس يستغني عنها ولا حاجة به إليها فقد جهل حق الربوبية، ومرتبة العبودية، وينتقص بمن أغناه بزعمه عن التوبة من حيث


(١) البخاري (٦٣٠٨)، ومسلم (٢٧٤٤).
(٢) برقم (٢٧٤٥).
(٣) الشرف: المكان المرتفع من الأرض، أو مقدار من المسافة نحو شوط الخيل، أو الميل، واستظهر القاضي أولهما، "إكمال المعلم" (٨/ ٢٤٥).