للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهؤلاء الفلاسفة ــ وهم المُدِلّون بعقولهم ــ يثبتون ذواتًا قائمة بأنفسها خارج الذهن، ليست في العالم، ولا خارجة عن العالم، ولا متصلة به، ولا منفصلة عنه، ولا مباينة له، ولا محايثة، وهو مما يُعلم بصريح العقل فساده.

وهؤلاء طائفة الاتحادية تزعم أن الله هو هذا الوجود المشهود، وأن التعدد والتكثير فيه وهم محض.

وهؤلاء منكرو الأسباب يزعمون أنه لا حرارة في النار تحرق بها، ولا رطوبة في الماء يروي بها، وليس في الأجسام أصلًا قوى ولا طبائع، ولا في العالم شيء يكون سببًا لشيء آخر البتّة.

وإن لم تكن هذه الأمور جحدًا للضروريات فليس في العالم مَنْ جَحَد الضروريات، وإن كانت جحدًا للضروريات بطل قولكم: إن جمعًا من العقلاء لا يتفقون على ذلك.

والأقوال التي جحد بها المتكلمون الضروريات أضعاف أضعاف ما ذكرناه، فهم أجحد الناس لما يُعلم بضرورة العقل.

وكيف يصح في عقل سليم: سميعٌ لا سمع له، بصيرٌ لا بصر له، حيٌّ لا حياة له؟!

أم كيف يصح عند ذي عقل: مرئيٌّ يُرى بالأبصار عيانًا لا فوق الرائي، ولا تحته، ولا عن يمينه، ولا عن يساره، ولا خلفه، ولا أمامه؟!

أم كيف يصح عند ذي عقل: إثباتُ كلام قديم أزلي، لو كان البحر يمده من بعده سبعة أبحر، وجميع أشجار الأرض على اختلافها وكبرها وصغرها أقلام يُكتب بها= لنفدت البحار، وفنيت الأقلام، ولم يفنَ ذلك الكلام. ومع