للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعاصي قد تكون بعضها عقوبة بعض، فيكون لله (١) على المعصية عقوبتان: عقوبة بمعصية تتولد منها، وتكون الأولى سببًا فيها، وعقوبة بمؤلم يكون جزاءها، كما في الحديث المتفق على صحته عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، والبرّ يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقًا، وإيَّاكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابًا» (٢).

وقد ذكر الله سبحانه في غير موضع من كتابه أن الحسنة الثانية قد تكون من ثواب الحسنة الأولى، وأن المعصية قد تكون عقوبة للمعصية الأولى، فالأول كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: ٦٦ - ٦٨]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبْلَنَا} [العنكبوت: ٦٩]، وقال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٦].

وأما قوله: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: ٤]، فيحتمل أن لا يكون من هذا، وتكون الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة؛ فإنه رتّب هذا الجزاء على قَتْلهم، ويحتمل أن يكون منه، ويكون قوله:


(١) «م»: «ذلك».
(٢) البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧).