للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه غيره، وهو الذي حكاه ابن قتيبة عنه (١).

وقد يقال: إن المعنيين جميعًا مرادان، باعتبار أن ما يوفقه الله له من الطاعات فهو نعمة في حقه أصابته من الله، كما قال تعالى: {بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ} [النحل: ٥٣]، فهذا يدخل فيه نعم الدين والدنيا، وما يقع منه من المعصية فهو مصيبة أصابته من الله، وإن كان سببها منه.

والذي يوضح ذلك أن الله سبحانه إذا جعل السيئة التي هي الجزاء على المعصية من نفس العبد بقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]، فالعمل الذي أوجب الجزاء أولى أن يكون من نفسه، فلا منافاة بين أن تكون سيئة العمل من نفسه، وسيئة الجزاء من نفسه، ولا ينفي ذلك أن يكون الجميع من الله قضاءً وقدرًا، ولكن هو من الله عدل وحكمة ومصلحة وحَسَن، ومن العبد سيئة وقبيح.

وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وأنا قدّرتها عليك) (٢)، وهذه القراءة زيادة بيان، وإلا فقد دلّ قوله قبل ذلك: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: ٧٨] على القضاء السابق، والقدر النافذ.


(١) لم أقف على حكايته، وقد أسنده ابن جرير عنه كما تقدم.
(٢) لم أقف عليه عن ابن عباس بهذا الحرف، وحكاه عنه ابن عطية في «المحرر» (٢/ ٨٢) بلفظ: «وأنا قضيتها عليك»، وأسنده ابن المنذر في «التفسير» (٢٠٢٩) بلفظ: «وأنا كتبتها عليك»، ويروى كذلك عن أبي وابن مسعود كما في «تفسير ابن وهب» (٢٥٣)، و «فضائل القرآن» لأبي عبيد (٢٩٧)، وانظر: «تفسير القرطبي» (٦/ ٤٦٩ - ٤٧٠).