للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تلاهم على آثارهم محققوهم من العُبّاد، فقالوا: ليس في الكون معصية البتَّة؛ إذ الفاعل مطيع للإرادة موافق للمراد، كما قيل:

أصبحتُ مُنْفَعِلًا لما يختاره ... منِّي ففعلي كلُّه طاعاتُ (١)

ولاموا بعضَ هؤلاء على فعله، فقال: إن كنتُ عصيتُ أمره فقد أطعتُ إرادتَه، ومطيع الإرادة غير ملوم، وهو في الحقيقة غير مذموم.

وقرر محققوهم من المتكلمين هذا المذهب؛ بأن الإرادة والمشيئة والمحبّة في حق الرب سبحانه شيء واحد، فمحبته هي نفس مشيئته، وكل ما في الكون فقد أراده وشاءه، وكل ما شاءه فقد أحبّه.

وأخبرني شيخ الإسلام ــ قدَّس الله روحه ــ أنه لام بعضَ هذه الطائفة على محبّة ما يبغضه الله ورسوله، فقال له المَلوم: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب، وجميع ما في الكون مراده، فأي شيء أُبْغِضُ منه؟!

قال الشيخ: فقلت له: إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وذمّهم وغضب عليهم فواليتهم أنت وأحببتهم، وأحببت أفعالهم ورضيتها، تكون مواليًا له أو معاديًا؟


(١) نسبه شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٨/ ٢٥٧) إلى نجم الدين محمد بن سوار بن إسرائيل، الفقير الشاعر الصوفي (٦٧٧ هـ)، وانظر: "تاريخ الإسلام" (١٥/ ٣٤٧).
وأورد البيت دون نسبة في: "منهاج السنة" (٣/ ٢٥) و"الفرقان" (٢٣٧)، وسينشده المؤلف في (١/ ٤٨) من هذا الكتاب، وفي: "طريق الهجرتين" (١/ ٥٥، ٣٥٢، ٦٥٩)، و"مدارج السالكين" (١/ ٥٠٤، ٥٥٩، ٦٣٥).