للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فبُهِتَ الجبري، ولم ينطق بكلمة (١).

وزعمت هذه الفرقة أنهم بذلك للسنة ناصرون، وللقدر مثبتون، ولأقوال أهل البدع مبطلون.

هذا، وقد طووا بساط التكليف، وطفّفوا في الميزان غاية التطفيف، وحملوا ذنوبهم على الأقدار، وبرّؤوا نفوسهم في الحقيقة من فعل الذنوب والأوزار، وقالوا: إنها في الحقيقة فِعْل الخلَّاق العليم.

وإذا سمع المنزِّه لربِّه هذا قال: سبحانك هذا بهتان عظيم! فالشرّ ليس إليك، والخير كله في يديك.

ولقد ظنّت هذه الطائفة بالله أسوأ الظن، ونسبته إلى أقبح الظلم، وقالوا: إن أوامر الربّ ونواهيه كتكليف العبد أن يرقى فوق السماوات، أو كتكليف الميت إحياء الأموات، والله يعذب عباده أشدّ العذاب على فعل ما لا يقدرون على تركه، وعلى ترك ما لا يقدرون على فعله، بل يعاقبهم على نفس فعله الذي هو لهم غير مقدور، وليس أحدٌ منهم ميسَّر له، بل هو عليه مقهور، وترى العارف منهم ينشد مُترنّمًا، ومن ربّه مُتشكّيًا ومُتظلّمًا:

ألقاه في اليمّ مكتوفًا وقال له: ... إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماءِ (٢)


(١) حكى المؤلف هذه المحاورة عن شيخ الإسلام ابن تيمية في "طريق الهجرتين" (١٨٥، ٦٥٨) و"مدارج السالكين" (٤/ ٢٧٩٣)، وانظر: "الاستقامة" (١/ ٤٢٤) (٢/ ٧٨).
(٢) البيت للحلاج في "ديوانه" ضمن الأعمال الكاملة (٢٨٨)، ونسبه إليه في "وفيات الأعيان" (٢/ ١٤٣)، وشكك الرافعي في تلك النسبة في "تاريخ آداب العرب" (٣/ ١٣٣).