للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس عند القوم في نفس الأمر سبب ولا غاية ولا حكمة، ولا قوة في الأجسام ولا طبيعة ولا غريزة، فليس في الماء قوة التبريد، ولا في النار قوة التسخين، ولا في الأغذية قوة الغذاء، ولا في الأدوية قوة الدواء، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن قوة السماع، ولا في الأنف قوة الشم، ولا في الحيوان قوة فاعلة، ولا قوة جاذبة، ولا ممسكة ولا دافعة.

والربّ تعالى لم يفعل شيئًا بشيء، ولا شيئًا لشيء، فليس في أفعاله باء تسبيب (١)، ولا لام تعليل، وما ورد من ذلك فمحمول على باء المصاحبة، ولام العاقبة.

وزادوا على ذلك أن الأفعال لا تنقسم في نفسها (٢) إلى حَسَن وقبيح، ولا فرق في نفس الأمر بين الصدق والكذب، والبر والفجور، والعدل والظلم، والسجود للرحمن والسجود للشيطان، والإحسان إلى الخلق والإساءة إليهم، ومسبّة الخالق تعالى والثناء عليه، وإنما نعلم الحسن من ذلك من القبيح بمجرد الأمر والنهي، ولذلك يجوز النهي عن كل ما أمر به، والأمر بكل ما نهى عنه، ولو فعل ذلك لكان هذا قبيحًا وهذا حسنًا.

وزاد بعض محقّقيهم على هذا: أن الأجسام كلها متماثلة، فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء، ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب، ولا بين المِسْك والرَّجِيع، وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها، مع تماثلها في الحدّ والحقيقة.


(١) "د": "تسبُّب" مقيدة، والمثبت من "م"، وانظر: "طريق الهجرتين" (١/ ٢٣٥).
(٢) "م": "أنفسها"، والمثبت من "د" وسيأتي نظيره.