للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لفات الخير الغالب، وفوات الخير الغالب شر غالب، ومثال ذلك: النار، فإن في وجودها منافع كثيرة، وفيها مفاسد، ولكن إذا قابلنا بين مصالحها ومفاسدها لم تكن لمفاسدها نسبة إلى مصالحها، وكذلك المطر والرياح والحر والبرد.

وبالجملة فعناصر هذا العالم السفلي خيرها ممتزج بشرها، ولكن خيرها غالب، وأما العالم العلوي فبريء من ذلك.

فإن قيل: فهلّا خَلَقَ الخلّاق الحكيم هذه خالية من الشر، بحيث تكون خيرات محضة؟

فإن قلتم: اقتضت الحكمة خلق هذا العالم ممتزجًا فيه اللذة بالألم، والخير بالشر، فقد كان يمكن خلقه على حالة لا يكون فيه شرًّا كالعالم العلوي.

سلّمْنا أن وجود ما الخير فيه أغلب من الشر أولى من عدمه، فأي خير ومصلحة في وجود رأس الشر كله ومنبعه وقدوة أهله فيه: إبليس، وأي خير في إبقائه إلى آخر الدهر؟

وأي خير يغلب في نشأة يكون منها تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة؟

وأي خير غالب حصل بإخراج الأبوين من الجنة، حتى جرى على الأولاد ما جرى، ولو داما في الجنة لارتفع الشر بالكلية؟

وإذا كان قد خلقهم لعبادته فكيف اقتضت حكمته أنْ صرف أكثرهم عنها، ووفّق لها الأقل من الناس؟