للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الرازي في «مباحثه»: «فإن قيل: فلِمَ لمْ يخلق الخالق هذه الأشياء عَرِيّة عن كل الشرور؟

فنقول: لأنه لو جعلها كذلك لكان هذا هو القسم الأول، وذلك مما فُرِغ عنه (١)».

يعني: كان ذلك هو القسم الذي هو خير محض لا شر فيه.

قال: «وبقي في العقل (٢) قسم آخر، وهو الذي يكون خيره غالبًا على شره، وقد بينا أن الأولى بهذا القسم أن يكون موجودًا.

قال: وهذا الجواب لا يعجبني؛ لأن لقائل أن يقول: إن جميع هذه الخيرات والشرور إنما توجد باختيار الله تعالى وإرادته، فالاحتراق الحاصل عقيب النار ليس موجَبًا عن النار، بل الله تعالى اختار خلقه عقيب مماسة النار، وإذا كان حصول الاحتراق عقيب مماسة النار (٣) باختيار الله وإرادته، فكان يمكنه أن يختار خلق الإحراق عند ما يكون خيرًا، ولا يختار خلقه عند ما يكون شرًّا.

ولا خلاص عن هذه المطالبة إلا ببيان كونه سبحانه فاعلًا بالذات لا بالقصد والاختيار، ويرجع حاصل الكلام في هذه المسألة إلى مسألة القِدَم


(١) كذا في «د» و «م» و «المباحث المشرقية» (٢/ ٥٢٢)، ووقع في «ج»: «خرج عنه»، وفي «طريق الهجرتين» (١/ ٣٣٩): «فرغ منه»، وهذا موافق للمشهور في تعدية «فرغ» بـ «من»، وقد قُرِئ: «حتى إذا فُرِّغَ عن قلوبهم»، انظر: «تاج العروس» (٢٢/ ٥٤٩).
(٢) «ج»: «الفعل»، تحريف.
(٣) جملة: «وإذا كان حصول الاحتراق عقيب مماسة النار» ساقطة من «م».