للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحدوث» (١).

فانظر كيف اعترف بأنه لا خلاص عن هذه الأسئلة إلا بتكذيب جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وإبطال جميع الكتب المنزلة من عند الله، ومخالفة صريح العقل في أن خالق العالم سبحانه مريد مختار، ما شاء كان بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن لعدم مشيئته، وأنه ليس في الكون شيء حاصل بدون مشيئته البتّة.

فأقرَّ على نفسه أنه لا خلاص له عن تلك الأسئلة إلا بالتزام طريقة أعداء الرسل والملل، القائلين بأن الله لم يخلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولا أوجد العالم بعد عدمه، ولا يُفنيه بعد إيجاده، وصدور ما صدر عنه بغير اختياره ومشيئته، فلم يكن مختارًا مريدًا للعالم.

وليس عنده إلا هذا القول، أو قول الجبرية منكري الأسباب والحِكَم والتعليل، أو قول المعتزلة الذين أثبتوا حكمة لا ترجع إلى الفاعل، وأوجبوا رعاية مصالح شبّهوا فيها الخالق بالمخلوق، وجعلوا له بعقولهم شريعة أوجبوا عليه فيها، وحرّموا، وحجروا عليه.

فالأقوال الثلاثة تتردد في صدره، وتتقاذف به أمواجها تقاذف السفينة إذا لعبت بها الرياح الشديدة، والعاقل لا يرضى لنفسه بواحد من هذه الأقوال؛ لمنافاتها للعقل والنقل والفطرة.

والقول الحق في هذه الأقوال كيوم الجمعة في الأيام، أضلّ الله عنه أهل


(١) «المباحث المشرقية» (٢/ ٥٢٢ - ٥٢٣)، ونقله المؤلف في «طريق الهجرتين» (١/ ٣٣٩).