للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، ولا كتبها، ولا قَدّرها، فضلًا عن أن يكون قد شاءها وكوَّنها.

وقول هؤلاء معلوم البطلان بالضرورة من أديان جميع المرسلين، وكتب الله المنزلة، وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - مملوء بتكذيبهم، وإبطال قولهم، وإثبات عموم علمه الذي لا يشاركه فيه خلقه، ولا يحيطون بشيء منه إلا بما شاء أن يطلعهم عليه، ويعلمهم به، وما أخفاه عنهم ولم يطلعهم عليه لا نسبة لما عرفوه إليه إلا دون نسبة قطرة واحدة إلى البحار كلها، كما قال الخضر لموسى وهما أعلم أهل الأرض إذ [ذاك] (١): «ما نقص علمي وعلمُك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر» (٢).

ويكفي أن ما يتكلم به من علمه (٣) لو قُدِّر أنّ البحر يمده من بعده سبعةَ أبحرِ مدادٍ، وأشجار الأرض كلها من أول الدهر إلى آخره أقلام= يُكتب به ما يتكلم به مما يعلمه؛ لنفدت البحار، وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلماته، فنسبة علوم الخلائق إلى علمه سبحانه كنسبة قدرتهم إلى قدرته، وغناهم إلى غناه، وحكمتهم إلى حكمته.

وإذا كان أعلم خلقه به على الإطلاق يقول: «لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (٤)، ويقول في دعاء الاستخارة: «فإنك تقدر ولا


(١) في الأصول: «إذا ما نقص»، وضبطها في «م»: «إذًا»، وليس بشيء، وظاهر السياق يدل على إرادة «إذ» الظرفية بمعنى «حين»، وتلزمها الإضافة إلى ظرف مثلها، وصححها في «ط»: «حينئذ»، والمثبت أقرب للمعنى والرسم إن شاء الله.
(٢) أخرجه البخاري (١٢٢)، ومسلم (٢٣٨٠) من حديث أبي بن كعب.
(٣) «د»: «علم الله».
(٤) تقدم تخريجه في (١/ ٣٧٨).