للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى غير ذلك من المحالات التي قادهم إليها الخوض في تعليل أفعال من لا يُسأل عما يفعل.

فلذلك قلنا: إن الصواب القول بعدم التعليل، وتخلصنا من الحبائل والأشراك التي وقعتم فيها.

قال أهل الحكمة: ليست هذه الأسئلة والاعتراضات التي قدحتم بها في حكمة أحكم الحاكمين بأقوى من الأسئلة والاعتراضات التي قدح بها أهل الإلحاد في وجوده سبحانه، وقد أقاموا أربعين شبهة تنفي وجوده. وكذلك اعتراضات المكذبين لرسله، وقد حكيتم أنتم عنهم ثمانين اعتراضًا. وكذلك الاعتراضات التي قدح بها المعطلة في إثبات صفات كماله، قد علمتم شأنها وكثرتها. وكذلك الاعتراضات التي نفي بها الجهمية علوّه على خلقه، واستواءه على عرشه، وتكلّمه بكتبه وتكليمه لعباده. ولقد علمتم الاعتراضات التي اعترض بها أهل الفلسفة على كونه خالقًا للعالَم في ستة أيام، وعلى كونه يقيم الناس من قبورهم ويبعثهم إلى دار السعادة والشقاء، ويبدّل هذا العالم ويأتي بغيره. واعتراضات هؤلاء وأسئلتهم أضعاف اعتراضات نفاة حكمته وغايات أفعاله المقصودة، وكذلك اعتراضات نفاة القدر وأسئلتهم إلى غير ذلك.

وقد اقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين أن أقام في هذا العالم لكل حق جاحدًا، ولكل صواب معاندًا، كما أقام لكل نعمة حاسدًا، ولكل شر رائدًا، وهذا من تمام حكمته الباهرة، وقدرته القاهرة؛ ليتم عليهم كلمته، وينفذ فيهم مشيئته، ويُظهر فيهم حكمته، ويقضي بينهم بحكمه، ويفاضل بينهم بعلمه، ويُظهر فيهم آثارَ صفاته العليا وأسمائه الحسنى، ويتبين لأوليائه وأعدائه يوم