للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالرسل وأتباعهم أثبتوا له المُلْك والحمد، وهذا مذهب من أثبت له القدر والحكمة وحقائق الأسماء والصفات، ونزّهَه عن النقائص ومشابهة المخلوقات، ويوحشك (١) في هذا المقام جميع الطوائف غير أهل السنة، الذين لم يتحيزوا إلى نحلة ولا مقالة ولا متبوع من أهل الكلام.

الفرقة الثانية: الذين أثبتوا له المُلْك، وعطّلوا حقيقة الحمد، وهم الجبرية نفاة الحكمة والتعليل، القائلين (٢) بأنه يجوز عليه كل ممكن، ولا يُنزَّه عن فعل قبيح، بل كل ممكن فإنه لا يقبح منه، وإنما القبيح المستحيل لذاته، كالجمع بين النقيضين، فيجوز عليه تعذيب ملائكته وأنبيائه ورسله وأهل طاعته، وإكرام إبليس وجنوده، وجعْلهم فوق أوليائه في النعيم المقيم أبدًا. ولا سبيل لنا إلى العلم باستحالة ذلك إلا من نفي الخُلْف في خبره فقط.

فيجوز عندهم أن يأمر بمسبّته ومسبَّة أنبيائه، والسجود للأصنام، وبالكذب والفجور، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وينهى عن البر والصدق والإحسان والعفاف.

ولا فرق في نفس الأمر بين ما أمر به ونهى عنه إلا التحكم بمحض المشيئة (٣)، وأنه أَمَر بهذا ونهى عن هذا من غير أن يكون فيما أَمَر به صفةُ حُسْنٍ تقتضي محبته والأمر به، ولا فيما نهى عنه صفةُ قُبْحٍ تقتضي كراهته والنهي عنه.


(١) «م»: «ويوحد»، ومادة (وحش) تدل على خلاف الأنس، «مقاييس اللغة» (٦/ ٩١).
(٢) كذا في الأصول بالنصب: «القائلين»، ولها وجه في العربية بالنصب على الاختصاص، والجادة: «القائلون».
(٣) «م»: «لمحض المشيئة».