للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهؤلاء عطَّلوا حمده في الحقيقة، وأثبتوا له مُلْكًا بلا حمد، مع أنهم في الحقيقة لم يثبتوا له ملكًا؛ فإنهم جعلوه مُعطّلًا في الأزل والأبد، لا يقوم به فعل البتّة، وكثير منهم عطّله عن صفات الكمال التي لا يتحقق كونه مَلِكًا وربًّا وإلهًا إلا بها، فلا مُلْك أثبتوا ولا حمد!

الفرقة الثالثة: أثبتوا له نوعًا من الحمد، وعطلوا كمال مُلْكه، وهم القدرية الذين أثبتوا نوعًا من الحكمة، ونفوا لأجلها كمال قدرته، فحافظوا على نوع من الحمد عطّلوا له كمال المُلْك، وفي الحقيقة لم يثبتوا لا هذا ولا هذا؛ فإن الحكمة التي أثبتوها جعلوها راجعة إلى المخلوق، لا يعود إليه سبحانه حكمها، والمُلْك الذي أثبتوه فإنهم في الحقيقة إنما قرّروا نفيه بنفي قيام الصفات التي لا يكون مَلِكًا حقًّا إلا بها، ونفي قيام الأفعال الاختيارية، فلم يقم به عندهم وصف ولا فعل، وهذا غاية النفي لمُلْكه وحمده؛ فإن من لا تقوم به قدرة (١) ولا إرادة ولا كلام ولا سمع ولا بصر ولا فعل (٢)، ولا له حب ولا بغض= معطّل عن حقيقة المُلْك والحمد.

والمقصود أن عموم مُلْكه يستلزم إثبات القدر، وأن لا يكون في مُلْكه شيء بغير مشيئته، فالله أكبر من ذلك وأجلُّ، وعموم حمده يستلزم أن لا يكون في خلقه وأمره ما لا حكمة فيه، ولا غاية محمودة يفعل لأجلها، ويأمر لأجلها، فالله أكبر وأكمل (٣) من ذلك.


(١) من قوله: «وهذا غاية» إلى هنا ساقط من «د».
(٢) «ولا فعل» من «د».
(٣) «د»: «وأجل».