جزئية في حق يعقوب ويوسف، ثم انقلبت تلك المفسدة مصالح اضمحلّت في جنبها تلك المفسدة بالكلية، وصارت سببًا لأعظم المصالح في حقه، وحق يوسف، وحق الإخوة، وحق امرأة العزيز، وحق أهل مصر، وحق المؤمنين إلى يوم القيامة.
فكم جنى أهل المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ورسله من هذه القصة من ثمرة، وكم استفادوا بها من علم وحكمة وتبصرة.
وكذلك المفسدة التي حصلت لأيوب من مسّ الشيطان له بنُصْب وعذاب، اضمحلّت وتلاشت في جنب المصلحة والمنفعة التي حصلت له ولغيره عند مفارقة البلاء، وتبدّله بالنعماء، بل كان ذلك السبب المكروه هو الطريق الموصل إليها، والشجرة التي جُنِيت منها ثمار تلك النعم.
وكذلك الأسباب التي أوصلت خليل الرحمن إلى أن صارت النار عليه بردًا وسلامًا؛ مِنْ كفر قومه وشركهم، وتكسيره أصنامهم، وغضبهم لها، وإيقاد النار العظيمة له، وإلقائه فيها بالمَنْجَنيق، حتى وقع في روضة خضراء (١) في وسط النار، وصارت آية وحجة وعبرة ودلالة للأمم قرنًا بعد قرن.
فكم لله سبحانه في ضمن هذه الآية من حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة وحجة وبيّنة، لو تعطّلت تلك الأسباب لتعطّلت هذه الحكم والمصالح والآيات، وحكمته وكماله المقدس يأبى ذلك، وحصول الشيء بدون لازمه ممتنع، وكم بين ما وقع من المفاسد الجزئية في هذه القصة، وبين