للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا أمر سبحانه رسوله أن يذكّر بها أمته، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [إبراهيم: ٥ - ٦]، فذكَّرهم بأيامه وإنعامه، ونجاتهم من عدوهم، وإهلاكهم وهم ينظرون، فحصل بذلك من ذكره وشكره ومحبته وتعظيمه وإجلاله ما تلاشت فيه مفسدة إهلاك الأبناء وذبحهم واضمحلت، فإنهم صاروا إلى النعيم، وخلصوا من مفسدة العبودية لفرعون إذا كبروا، وسَوْمِهِ لهم سوء العذاب، وكان الألم الذي ذاقه الأبوان عند الذبح أيسر من الآلام التي كانوا تجرعوها باستعباد فرعون وقومه لهم بكثير، فحظي بذلك الآباء والأبناء.

وأراد سبحانه أن يري عباده ما هو من أعظم آياته، وهو أن يُرَبَّى هذا المولود ـ الذي ذبح فرعون ما شاء الله من الأولاد في طلبه ـ في حِجْر فرعون، وفي بيته، وعلى فراشه.

فكم في ضمن هذه الآية من حكمة ومصلحة ورحمة وهداية وتبصرة، وهي موقوفة على لوازمها وأسبابها، ولم تكن لتوجد بدونها؛ فإنه ممتنع، فمصلحة تلك الآية وحكمتها غمرت مفسدةَ ذبح الأبناء، وجعلتها كأن لم تكن.

وكذلك الآيات التي أظهرها سبحانه على يد الكريم ابن الكريم ابن الكريم، والعجائب والحِكَم والمصالح والفوائد التي في تلك القصة التي تزيد على الألف= لم تكن لتحصل بدون ذلك السبب، الذي كان فيه مفسدة