الغذاءُ أو الشفاءُ للقلب بمثل الصلاة، وهي لصحته ودوائه بمنزلة غذاء البدن ودوائه (١).
ثم لما أكمل صلاته شُرِع له أن يقعد قِعْدَة العبد الذليل المسكين لسيده، ويثني عليه بأفضل التحيات، ويسلّم على من جاء بهذا الحظ الجزيل، ومن نالته الأمة على يديه، ثم يسلم على نفسه وعلى سائر عباد الله المشاركين له في هذه العبودية، ثم يتشهد شهادة الحق، ثم يعود فيصلي على من علّم الأمة هذا الخير ودلّهم عليه، ثم شُرِع له أن يسأل حوائجه، ويدعو بما أحب ما دام بين يدي ربّه مقبلًا عليه، فإذا قضى ذلك أذن له في الخروج منها بالتسليم على المشاركين له في الصلاة.
هذا إلى ما تضمنته من الأحوال والمعارف من أول المقامات إلى آخرها، فلا تجد منزلة من منازل السير إلى الله تعالى، ولا مقامًا من مقامات العارفين إلا وهو في ضمن الصلاة.
وهذا الذي ذكرناه من شأنها كقطرة من بحر، فكيف يقال: إنها تكليف محض، لم يُشرَع لحكمة ولا لغاية قصَدها الشارع، بل هي تعب محض، وكلفة ومشقة مستندة إلى محض المشيئة، لا لغرض ولا لفائدة البتّة، بل مجرد قهر وتكليف، وليست سببًا لشيء من مصالح الدنيا ولا الآخرة؟!
ثم تأمّل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها، كيف تجدها مشحونة بالحِكَم المقصودة، والغايات الحميدة التي شُرِعَت لأجلها، التي لولاها لكان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالًا.