للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفوسهم، وذلك محض العبودية، وإلا فمَنْ لا يعبد الله إلا بما يحبه ويهواه فهو في الحقيقة إنما يعبد نفسه.

وهو سبحانه يحب من أوليائه أن يوالوا فيه، ويعادوا فيه، ويبذلوا نفوسهم في مرضاته ومحابه، وهذا كله لا يحصل في دار النعيم المطلق.

ومن الحكمة في إخراجه من الجنة ما تقدم التنبيه عليه من اقتضاء أسماء الله الحسنى لمسمياتها ومتعلقاتها، كالغفور الرحيم التواب، العفو المنتقم، الخافض الرافع، المعز المذل، المحيي المميت الوارث، ولابد من ظهور أثر هذه الأسماء ووجود ما تتعلق به، فاقتضت حكمته أن أنزل الأبوين من الجنة ليظهر مقتضى أسمائه وصفاته فيهما وفي ذريتهما، فلو تَربّت الذرية في الجنة لفاتت آثار هذه الأسماء وتعلقاتها، والكمال الإلهي يأبى ذلك، فإنه الملك الحق المبين، والملك هو الذي يأمر وينهى، ويكرم ويهين، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعزّ ويذلّ، فأنزل الأبوين والذرية إلى دار تجري عليهم فيها هذه الأحكام.

وأيضًا: فإنهم أُنْزِلوا إلى دار يكون إيمانهم فيها تامًا، فإن الإيمان قول وعمل، وجهاد وصبر واحتمال، وهذا كله إنما يكون في دار الامتحان لا في جنة النعيم.

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ـ منهم أبو الوفاء بن عقيل (١) وغيره ـ:


(١) وله مصنف مفرد في ذلك باسم: «تفضيل العبادات على نعيم الجنات»، ذكره ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (١/ ١٥٦)، وأشار إليه في كتابه «استنشاق نسيم الأنس» (٩٨) دون تسمية مؤلفه، ونقد هذه التسمية. وأشار إليه ابن القيم في «عدة الصابرين» (٣٣٢)، ونقده أيضًا. (العمير).