للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن أعمال الرسل والأنبياء والمؤمنين في الدنيا أفضل من نعيم الجنة، قالوا: لأن نعيم الجنة حظّهم وتمتّعهم، فأين يقاس إلى الإيمان وأعماله، والصلوات، وقراءة القرآن، والجهاد في سبيل الله، وبذل النفوس في مرضاته، وإيثاره على هواها وشهواتها، فالإيمان متعلِّق به سبحانه وهو حقه عليهم، ونعيم الجنة متعلِّق بهم وهو حظّهم، فهم إنما خُلِقوا للعبادة، والجنة دار نعيم لا دار تكليف وعبادة.

وأيضًا: فإنه سبحانه سبق حُكمه وحِكمته بأن يجعل في الأرض خليفة، وأعلم بذلك ملائكته، فهو سبحانه قدَّر أن يكون هذا الخليفة وذريته في الأرض قبل خلقه؛ لما له في ذلك من الحِكَم والغايات الحميدة، فلم يكن بُدّ من إخراجه من الجنة إلى الدار التي قدَّر سكناه فيها قبل أن يخلقه، وكان ذلك التقدير بأسباب وبحِكَم.

فمن أسبابه: النهي عن تلك الشجرة، وتخْلِيته بينه وبين عدوه حتى وسوس إليه بالأكل، وتخْلِيته بينه وبين نفسه حتى وقع في المعصية، وكانت تلك الأسباب موصلة إلى غايات محمودة مطلوبة ترتّبت على خروجه من الجنة.

ثم ترتّب على خروجه أسباب أُخَر جُعِلت غايات لحِكَم أُخَر، ومن تلك الغايات: عَوْده إليها على أكمل الوجوه، فذلك التقدير وتلك الأسباب وغاياتها صادر عن محض الحكمة البالغة، التي يحمده عليها أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة، فما قَدَّر أحكم الحاكمين ذلك باطلًا، ولا دبَّره عبثًا، ولا أخلاه من حكمته البالغة وحمده التام.

وأيضًا: فإنه سبحانه قال لملائكته: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ