للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، ثم أظهر سبحانه من علمه وحكمته الذي خفي على ملائكته من أمر هذا الخليفة ما لم يكونوا يعرفونه، بأن جعل من نسله من أوليائه وأحبائه ورسله وأنبيائه من يتقرب إليه بأنواع التقرّب، ويبذل نفسه في محبته ومرضاته، يسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار، ويذكره قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويعبده ويذكره، ويشكره في السراء والضراء، والعافية والبلاء، والشدة والرخاء، فلا يثنيه عن ذكره وشكره وعبادته شدةٌ ولا بلاء، ولا فقرٌ ولا مرض، ويعبده مع معارضة الشهوة، وغلبات الهوى، وتقاضي الطباع لأحكامها، ومعاداة بني جنسه وغيرهم له، فلا يصده ذلك عن عبادته وشكره وذكره والتقرب إليه.

فإن كانت عبادتكم لي بلا معارض ولا ممانع؛ فعبادة هؤلاء لي مع هذه المعارضات والموانع والشواغل.

وأيضًا: فإنه سبحانه أراد أن يظهر لهم ما خفي عليهم مِنْ شأن مَنْ كانوا يعظمونه ويجلّونه، ولا يعرفون ما في نفسه من الكبر والحسد والشر، فذلك الخير وهذا الشر كامن في نفوس لا يعلمونها، فلابد من إخراجه وإبرازه لكي تُعْلَم حكمةُ أحكم الحاكمين في معاملة كل منهما بما يليق به.

وأيضًا: فإنه سبحانه لما خَلَقَ خلقه أطوارًا وأصنافًا، وسبق في حُكْمه وحِكْمته تفضيلُ آدم وبنيه على كثير ممن خلق تفضيلًا= جعل عبوديتهم أكمل من عبودية غيرهم، وكانت العبودية أفضل أحوالهم، وأعلى درجاتهم، أعني العبودية الاختيارية التي يأتون بها طوعًا واختيارًا، لا كرهًا واضطرارًا.