للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فابتلاهم سبحانه بإرسال رسله إليهم بأوامره ونواهيه واختباره، فامتاز برسله طيّبُهم من خبيثهم، وجيّدُهم من رديئهم، فوقع الثواب والعقاب على معلوم أظهره ذلك الابتلاء والامتحان.

ثم لما كان الممتحَن لا بدّ أن ينحرف عن طريق الصبر والمجاهدة لدواعي طبعه وهواه، وضعفه عن مقاومة ما ابتُلِي به= وعَدَه سبحانه أن يتجاوز له عن ذلك، ويكفره عنه؛ لأنه لمّا آمن به والتزم طاعته اقتضت رحمته أن كفّر عنه سيئاته، وجازاه بأحسن أعماله.

ثم ذكر سبحانه ابتلاء العبد بأبويه، وما أُمِر به من طاعتهما، وصبره على مجاهدتهما له على أن يُشْرك به (١)، فيصبر على هذه المحنة والفتنة، ولا يطيعهما، بل يصاحبهما على هذه الحال معروفًا، ويعرض عنهما إلى متابعة سبيل رسله.

وفي الإعراض عنهما وعن سبيلهما، والإقبال على من خالفهما وعلى سبيله من الامتحان والابتلاء ما فيه.

ثم ذكر سبحانه حال من دخل في الإيمان على ضعف عزم، وقلة بصيرة، وعدم ثبات على المحنة والابتلاء، وأنه إذا أوذي في الله ــ كما جرت به سنة الله، واقتضت حكمته من ابتلاء أوليائه بأعدائه وتسليطهم عليهم بأنواع المكاره والأذى ــ لم يصبر على ذلك، وجزع منه، وفرّ منه ومن أسبابه كما يفرّ من عذاب الله، فجعل فتنة الناس له على الإيمان وطاعة رسله كعذاب الله لمن يعذبه على الشرك ومخالفة رسله.


(١) «ط»: «أن لا يشرك به» بإقحام حرف النفي، وبه يفسد المعنى.