ولهذا لما اعترضت الملائكة على خلق الإنسان وقالوا:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة: ٣٠]؛ أجابهم سبحانه بأن في خلقه من الحِكَم والمصالح ما لا تعلمه الملائكة والخالق سبحانه يعلمه.
وإذا كانت الملائكة لا تعلم ما في خَلْق هذا الإنسان الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء من الحِكم والمصالح فغيرهم أولى أن لا يحيط به علمًا.
فخَلْق هذا الإنسان من تمام الحكمة والرحمة والمصلحة، وإن كان وجوده مستلزمًا لشر، فهو شر مغمور بما في إيجاده من الخير، كإنزال المطر والثلج، وهبوب الرياح، وطلوع الشمس، وخلق الحيوان والنبات والجبال والبحار.
وهذا كما أنه في خَلْقه فهو في شرعه ودينه وأمره؛ فإن ما أَمَر به من الأعمال الصالحة خيره ومصلحته راجح، وإن كان فيه شرّ فهو مغمور جدًّا بالنسبة إلى خيره، وما نهى عنه من الأعمال والأقوال القبيحة فشرّه ومفسدته راجح، والخير الذي فيه مغمور جدًّا بالنسبة إلى شره.
فسنّته سبحانه في خلقه وأمره فِعْل (١) الخير الخالص والراجح، والأمر بالخير الخالص والراجح، فإذا تناقضت أسباب الخير والشر ــ والجمع بين النقيضين محال ــ قدّم أسباب الخير الراجحة على المرجوحة، ولم يكن تفويت المرجوحة شرًّا، ودفع أسباب الشر الراجحة بالأسباب المرجوحة، ولم يكن حصول المرجوحة شرًّا بالنسبة إلى ما اندفع بها من الشرّ الراجح.