للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكمالها، وهذه تتحرك لكمالها، وينشأ عن الحركتين خير وشر، كما ينشأ عن حركة الأفلاك والشمس والقمر، وحركة الرياح، والماء والنار: خير وشر.

فالخيرات الناشئة عن هذه الحركات مقصودة بالقصد الأول، إما لِذَاتها وإما لكونها وسيلة إلى خيرات أتم منها، والشرور الناشئة عنها غير مقصودة بالذات، وإن قُصِدت قَصْد الوسائل واللوازم التي لا بدّ منها، فما جُبِلت عليه النفس من الحركة هو من لوازم ذاتها، فلا تكون النفس البشرية نفسًا إلا بهذا اللازم.

فإذا قيل: لِمَ خُلِقت متحركة على الدوام؟

فهو بمنزلة أن يقال: لِمَ كانت النفس نفسًا، ولِمَ كانت النار نارًا، والريح ريحًا؟ فلو لم تُخْلق هكذا ما كانت نفسًا، ولو لم تُخْلق الطبيعة هكذا ما كانت طبيعة، ولو لم يُخْلق الإنسان على هذه الصفة والخِلْقة ما كان إنسانًا.

فإن قيل: فلِمَ خُلِقت النفس على هذه الصفة؟

قيل: من كمال الوجود خَلْقها على هذه الصفة كما تقدم، وكذلك كمال فاطرها ومبدعها اقتضى خَلْقها على هذه الصفة؛ لما في ذلك من الحِكَم التي لا يحصيها إلا مبدعها سبحانه.

وإن كان في إيجاد هذه النفس شرًّا فهو شرّ جزئي بالنسبة إلى الخير الكلّي الذي في (١) إيجادها، فوجودها خير من أن لا توجد، فلو لم تُخْلَق مثل هذه النفس لكان في الوجود نقص وفوات حِكَم ومصالح عظيمة موقوفة على خَلْق مثل هذه النفس.


(١) بياض في «د»، والمثبت من «م»، وفي «ط»: «هو سبب».