للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موصلًا إليها (١).

ولهذا كانت العقلاء قاطبة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن الراحة لا تنال بالراحة، وأن من آثر اللذات فاتته اللذات، فهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم؛ إذ هي أسباب النعم.

وما ينال الحيوانات غير المكلفة منها فمغمور جدًّا بالنسبة إلى مصالحها ومنافعها، كما ينالها من حرِّ الصيف وبرد الشتاء، وحَبْس المطر والثلج، وألم الحمل والولادة، والسعي في طلب أقواتها، وغير ذلك، ولكن لذاتها أضعاف أضعاف آلامها، وما ينالها من المنافع والخيرات أضعاف ما ينالها من الشرور والآلام.

فسنّة الله في خلقه وأمره هي التي أوجبها كمال علمه وحكمته وعزّته، ولو اجتمعت عقول العقلاء كلهم على أن يقترحوا أحسن منها لعجزوا عن ذلك، وقيل لكل منهم: ارجع بصر العقل؛ هل ترى من خلل؟ ثم ارجع البصر كَرّتين ينقلب إليك البصر خاسِئًا وهو حَسِير.

فتبارك الذي من كمال حكمته وقدرته أن أخرج الأضداد من أضدادها، والأشياء من خلافها، فأخرج الأضداد والأشياء من خلافها (٢)، فأخرج الحي من الميت، والميت من الحي، والرطب من اليابس، واليابس من الرطب، فكذلك أنشأ اللذات من الآلام، والآلام من اللذات، فأعظم اللذات ثمرات الآلام ونتائجها، وأعظم الآلام ثمرات اللذات ونتائجها.


(١) من قوله: «كما حجب أعظم الآلام» إلى هنا ساقط من «م».
(٢) جملة: «فأخرج الأضداد والأشياء من خلافها» زيادة من «م».