للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمَلَهُ ولا يَعْمل أثرُ خَلْق الرحمن جل جلاله عمَلَه، والكل خَلْقه سبحانه، فلا خالق سواه، ولكن ذاك خَلْق يحبه ويرضاه، ويضاف أثره إليه، وهذا خَلْق يبغضه ويسخطه، ولا يضاف أثره إليه؛ فإن الشر ليس إليه، والخير كله في يديه.

فإن قيل: فقد قال سبحانه: {(٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣]، وهذا يقتضي أنه لا قابلية فيهم، ولا خير عندهم البتّة، ولو كان عندهم خير لخرجوا به من النار مع الموحدين؛ فإنه سبحانه يُخْرِج مِن النار مَن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من خير، فعُلِم أن هؤلاء ليس معهم هذا القدر اليسير من الخير.

قيل: الخير في هذا الحديث هو الإيمان بالله ورسله، كما في اللفظ الآخر: «أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان» (١)، وهو تصديقُ رسله والانقياد لهم بالقلب والجوارح.

وأما الخير في الآية فالمراد به: القبول والزكاة والنور ومعرفة قدر النعمة وشكر المنعِم عليها، فلو علم الله سبحانه ذلك فيهم لأسمعهم إسماعًا ينتفعون به؛ فإنهم قد سمعوا سماعًا تقوم به عليهم الحجة، فتلك القابلية ذهب أثرها، وتعطّلت بالكفر والجحود، وعادت كالشيء المعدوم الذي لا يُنْتَفع به، وإنما ظهر أثرها في قيام الحجة عليهم، ولم يظهر أثرها في انتفاعهم بما علموه وتيقنوه.

فإن قيل: فالغلام الذي قتله الخضر طُبِع يوم طُبِع كافرًا.


(١) أخرجه البخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣) من حديث أنس.