للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما طرأ عليه ما أبطل مقتضاه، فإذا زال ذلك الطارئ بالعذاب الطويل بقي أصل القبول بلا معارض.

وأما قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} فهذا قبل مباشرتهم للعذاب، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٧ - ٢٨]، فتلك الخبائث والشرور قائمة بنفوسهم لم تُزِلها النار، فلو رُدّوا لعادوا؛ لقيام المُقتضِي للعَوْد، ولكن أين أخبر سبحانه أنه لو رَدّهم بعد العذاب الطويل السّرمد لعادوا لما نهوا عنه؟

وسر المسألة أن الفطرة الأصلية لابدّ أن تعمل عملها، كما عمل الطارئ عليها عمله، وهذه الفطرة عامة لجميع بني آدم، كما في «الصحيحين» (١) من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ــ وفي لفظ ــ على هذه الملة».

وفي «صحيح مسلم» (٢) من حديث عياض بن حمار المُجَاشِعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه قال: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا».

فأخبر أن الأصل فيهم الحنيفية، وأنهم خُلِقوا عليها، وأن ضدّها عارض فيهم باقتطاع الشياطين لهم عنها، فمن الممتنع أن يَعْمل أثرُ اقتطاع الشياطين


(١) تقدم تخريجه (١/ ١٠٣)، واللفظ المشار إليه عند مسلم (٢٦٥٨).
(٢) تقدم تخريجه (٢/ ٦٥).