للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٨]، وهذا يدل على غاية عُتُوِّهم وإصرارهم، وعدم قبول الخير فيهم بوجه من الوجوه، فلا تصلح نفوسهم الشرّيرة الخبيثة إلا للعذاب، ولو صلحت لصلحت على طول العذاب.

فحيث لم يؤثّر عذابهم تلك الأحقاب الطويلة في نفوسهم، ولم يطيّبها؛ عُلِم أنه لا قابلية فيهم للخير أصلًا، وأن أسباب العذاب لم تطفأ من نفوسهم، فلا يُطفَأ العذاب المترتب عليها.

وهذه الطريق وإن أُنْكِرت ببادئ الرأي فهي طريق قوية، وهي ترجع إلى طريق الحكمة، وأن الحكمة التي اقتضت دخولهم هي التي اقتضت خلودهم.

ولكن هذه الطريق مُحَرّم سلوكها على نفاة الحكمة، وعلى مثبتيها من المعتزلة والقدرية، أما النفاة فظاهر، وأما المثبتة فالحكمة عندهم أن عذابهم لمصلحتهم، وهذا إنما يصح إذا كان لهم حالتان: حالة يُعَذَّبون فيها لأجل مصلحتهم، وحالة يزول عنهم العذاب لتحصل لهم تلك المصلحة، وإلا فكيف تكون مصلحتهم في عذاب لا انقطاع له أبدًا؟!

وأما من يثبت حكمة راجعة إلى الرب تعالى، فيمكنهم سلوك هذه الطريق، لكن يقال: الحكمة لا تقتضي دوام عذابهم بدوام بقائه سبحانه، وهو لم يخبر بأنه خلقهم لذلك، وإنما يُعذّبون لغاية محمودة إذا حصلت حصل المقصود من عذابهم، وهو سبحانه لا يعذّب خلقه سُدى، وهو قادر على أن ينشئهم بعد العذاب الطويل نشأة أخرى مجرّدة عن تلك الشرور والخبائث التي كانت في نفوسهم، وقد أزالها طولُ العذاب، فإنهم خُلِقوا قابلين للخير على الفطرة، وهذا القبول لازم لخلقتهم، وبه أقرّوا بصانعهم وفاطرهم،