للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «كل مولود يولد على الفطرة»، فناداه الناس: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: «وأولاد المشركين» (١).

قال شيخنا: أما ما ذكره أبو عمر عن مالك وابن المبارك؛ فيمكن أن يقال: إن المقصود أنّ آخر الحديث يبيّن أنّ الأولاد (٢) قد سبق في علم الله [ما] (٣) يعملون إذا بلغوا، أو أن منهم من يؤمن فيدخل الجنة، ومنهم من يكفر فيدخل النار، فلا يُحْتَج بقوله: «كل مولود يولد على الفطرة» على نفي القدر، كما احتجت القدرية به، ولا على أن أطفال الكفار كلهم في الجنة؛ لكونهم وُلِدوا على الفطرة، فيكون مقصود مالك وابن المبارك أنّ حُكْم الأطفال على ما في آخر الحديث.

وأما قول محمد فإنه رأى الشريعة قد استقرّت على أن وَلَد اليهودي والنصراني يتبع أبويه في الدين في أحكام الدنيا، فيُحْكَم له بحكم الكفر في أنه لا يُصلّى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يرثه المسلمون، ويجوز استرقاقهم، فلم يجز لأحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الأطفال في الدنيا حكم المؤمنين، حتى تُعْرِب عنهم ألسنتُهم، وهذا حق، لكن ظَنَّ أن الحديث اقتضى الحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال: هذا منسوخ؛ كان قبل الجهاد؛ لأنه بالجهاد أُبِيح استرقاق النساء والأطفال، والمؤمن لا يُسْتَرق، ولكن كون الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمر ما زال


(١) جزء من حديث قصة المعراج أخرجه البخاري (٧٠٤٧).
(٢) «د»: «الأول» تحريف.
(٣) زيادة لازمة من «درء التعارض».